
درس من الامثال العربية لمادة اللغة العربية للصف العاشر الفصل الدراسي الثاني المنهج العماني
أبو الفضل الميداني
(ت ٥١٨ هـ )
هو أحمد بن محمد ابن إبراهيم الميداني. والميدان محلة من محال نیسابور کان يسكنها فنسب إليها، وله من التصانيف : كتاب مجمع الأمثال ، كتاب السامي في الأسامي، كتاب الأنموذج في النحو، كتاب الهادي للشادي ، كتاب نزهة الطرف في علم الصرف ، كتاب شرح المفضَّليات، كتاب منية الراضي في رسائل القاضي .
مقدمة:
المثل هو قول موجز بليغ يضرب في حادثة ، ويستعاد في حوادث أخرى متشابهة . وكل شعب له أمثاله الخاصة التي تكونت عبر تاريخه الطويل والتي يمكن أن تنتقل إلى الشعوب الأخرى، وتعد الأمثال مادة خصبة تعكس حياة الأمم وعاداتها وثقافتها.
١) أندم من الكسعي:
قال حمزة: هو رجل من كُسَعَ، واسمه مُحارب بن قيس، وقال غيره : هو من بنى كُسَعَ ثم من بنى محارب، واسمه غامد بن الحارث. ومن حديثه أنه كان يَرْعَى إبلاَّ له بوادٍ مُعشب ، فبينما هو كذلك إذ أبصر نبعة في صخرة، فأعجبته، فقال: ينبغي أن تكون هذه قوسًا، فجعل يتعهدها ويرصدها حتى إذا أدركت قَطَعها وجفَّفَها ، فلما جفت اتخذ منها قوسًا، وأنشأ يقول :
يا رب وقُّقْني لِنَحْتِ قَوْسي فإنها مِنْ لذَّتى لنفسي
وانفعْ بقوسىٍ ولَدَي وعِرْسي أنحتُها صفراء مثل الوَرْسِ
صفراء ليست كقسيِّ النّكسِ
ثم دهنها وخطمها بوتر ، ثم عمد إلى ما كان من برايتها فجعل
منها خمسة أسهم ، وجعل يقلبها في كفه ويقول :
هنّ وربي أسهمٌ حسانُ تلذُّ للرامي بها البنانُ
كأنما قوامها ميزانُ فأبشروا بالخصب يا صبيانُ
إن لم يعقني الشؤم والحرمانُ
ثم خرج حتى أتى قُترةً على مواردٍ حُمُر فكمن فيها، فَمَرَّ قطيع منها ، فرمى
عَيراً منها فأمخطه السهم: أي أنفذه فيه وجازه، وأصاب الجبل فأورى نارًا، فظن أنه
أخطأه فأنشأ يقول :
أعوذ بالله العزيز الرحمن من نَكَد الجَدِّ معًاً والحرمان
مالي رأيتُ السَّهمَ بين الصَّوَّانُ يُوري شرارًا مثلَ لونِ العِقْيانْ
فاختلفَ اليوم رجاءُ الصبيانْ
ثم مكث على حاله فمر قطيع آخر ، فرمى منها عيرًا فأمخطه السهم ، وصنع
صنيع الأول ، فأنشأ يقول :
لا بارك الرحمنُ في رمي القَتَرْ أعوذُ بالخالق من سوءِ القَدَرْ
أأمخطُ السَّهمَ لإرهاق الَبصَرْ أم ذاكَ مِنْ سوءِ احتيالٍ ونَظَرْ
ثم مكث على حاله فمر قطيع آخر، فرمى منها عيرًا فأمخطه السهم ، فصنع صنيع الثاني ، فأنشأ يقول :
ما بالُ سهمي يُوقدُ الحُبَاحِبَا قد كنتُ أرجو أن يكونَ صائبا
وأمكن العَير وولَّى جانبا فصار رأيي فيه رأيًا خائبا
ثم مكث مكانه ، فمر به قطيع آخر ، فرمى عيرا منها ، فصنع صنيع الثالث ، فأنشأ يقول :
يا أسفي للشؤم والجَدِّ النكِدْ أَخْلَفَ ما أرجو لأهلٍ وولدْ
ثم مر به قطيع آخر ، فرمى عيرا منها فصنع صنيع الرابع ، فأنشأ يقول :
أبعد خمسٍ قد حفظتُ عَدَّها أحملُ قوسي وأريدُ وِرْدَها
أخزى الإلهُ لِينَها وشَدَّها واللهِ لا تَسلَمُ عندي بَعْدَها
ولا أُرَجِّي ما حييتُ رِفْدَها
ثم عمد إلى قوسه فضرب بها حجرا فكسرها ، ثم بات ، فلما أصبح نظر فإذا الحُمُرُ مطروحة حوله مصرعة، وأسهمه بالدم مضرجة ، فندم على كسر القوس ، فشد على إبهامه فقطعها، وأنشأ يقول :
ندمتُ ندامةً لو أن نفسي تطاوعني إذًا لقطعتُ خمسي
تَبَيَّنَ لي سَفَاهُ الرأيِ مني لعمرُ أبيكَ حينَ كسرتُ قوسي
وقال الفرزدق حين أبان النَّوَار زوجته وقصته مشهورة :
ندمتُ ندامة الكُسَعِيِّ لًَّا غَدَتْ مني مُطَلَّقةً نَوَار
وكانت جَنَّي فخرجتُ منها كآدم حينَ لَجَّ به الضَّرارُ
ولو ضَنَّتْ بها نفسي وكَفِّي لكان عليَّ للقَدَرِ اختيارُ
٢) الحديثُ ذو شُجُونٍ :
أي ذو طرقٍ ، الواحد شجنٌ بسكون الجيم، والشواجن: أودية كثيرة الشجر،
الواحدة شاجنة، وأصل هذه الكلمة الاتصال والالتفاف ، ومنه الشجنة، والشجنة:
الشجرة الملتفة الأغصان .
يضرب هذا المثل في الحدیث يتذكر به غيره .
وقد نظم الشيخ أبو بكر علي بن الحسين القهستاني هذا المثل ومثلاً آخر في بيت واحد، وأحسن ما شاء، وهو :
تَذَكَّرَ نَجْدًا والحديث شُجونُ فَجُنَّ اشتياقًا والجنونُ قُنونُ
وأول من قال هذا المثل ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مُضر، وكان له ابنان يقال لأحدهما سعد وللآخر سُعَيِد، فنفرت إبل لضبة تحت الليل ، فوجه ابنيه في طلبها ، فتفرقا فوجدها سعد، فردها، ومضى سُعَيْد في طلبها فلقيه الحارث بن كعب ،
وكان على الغلام بردان فسأله الحارث إياهما، فأبى عليه ، فقتله وأخذ برديه ، فكان ضبة إذا أمسى فرأى تحت الليل سوادًا قال: أسعد أم سُعَيد؟ فذهب قوله مثلاً يضرب في النجاح والخيبة ، فمكث ضبة بذلك ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه حج فوافى عكاظ فلقي بها الحارث بن كعب ورأى عليه يُردي ابنه سعيد، فعرفهما، فقال له : هل أنت مخبري ما هذان
البردان اللذان عليك؟ قال: بلى، لقيت غلامًا وهما عليه فسألته إياهما فأبى عَليَّ فقتلته وأخذت برديه هذين، فقال ضبة: بسيفك هذا؟ قال: نعم ، فقال: فأعطنيه أنظر إليه فإني أظنه صارمًا، فأعطاه الحارث سيفه، فلما أخذه من يده هزه، وقال: الحديث ذو شجون، ثم ضربه به حتى قتله ، فقيل له : يا ضبة أفي الشهر الحرام؟ فقال: سبق السيفُ العَذَلَ ؛
فهو أول من سار عنه هذه الأمثال الثلاثة . قال الفرزدق :
لا تأمننَّ الحرب إنّ استعارَها كضبة إذ قال : الحديث شجونُ
٣- دُونَ ذا وينفُقُ الحمار:
زعم الشرقي وغيره أن إنسانًا أراد بيع حمارٍ له، فقال لمشوَّر: أَطْرِ حماري ولك عليّ جُعْل، فلما دخل به السوق قال له المشوّر : هذا حمارك الذي كنت تصيد عليه الوحش؟
فقال الرجل : دون ذا وينفق الحمار، أي الزم قولاً دون الذي تقول ، أي أقل منه، والحمار ينفق الآن دون هذا التنفيق، والواو للحال، ويروى “دون ذا ينفق الحمار” من غير واو، أي : نفق من غير هذا القول، ويضرب عند المبالغة في المدح إذا كان بدونه اكتفاء .
مجمع الأمثال للميداني ، تحقيق محمد محيي الدين
عبدالحميد ، دار القلم ، بيروت ، لبنان.
١: إضاءة نقدية
هذه الأمثال الثلاثة اختيرت من كتاب “مجمع الأمثال ” للميداني ، وللميداني طرق وأساليب في عرض المثل وسرد الحكاية المتعلقة به .
وسنعمد هنا إلى تقديم بعض الملاحظات الخاصة بالبنية الخارجية لأسلوب الميداني في عرض الأمثال الثلاثة ، ثم نشير بعدها إلى بعض الظواهر الأسلوبية :
فمن ناحية يمكن للقارئ أن يلاحظ انطلاق الكاتب من المثل دائمًا، إلا أن ما يقدمه لنا بعد ذلك من إضاءات حول تلك الأمثال يختلف كمًّا ونوعًا حسب ما يتوافر لديه من معلومات يمكن أن يقدمها إلی قارئه .
في المثل الأول “أندم من الكسعي” نجد الحكاية تدور حول الشخص الذي ضرب به المثل “الكسعي”، حيث يبدأ الكاتب بتعريف هذا الشخص، فينقل لنا قولين في ذلك (قال حمزة … وقال غيره). ونلاحظ أنه عَيَّنَ صاحب القول الأول، ولم يعين صاحب القول الثاني ، وهذا يشير إلى حرصه على ذكر كل ما يعرفه حول المثل، وحرصه كذلك على تتبع أوجه الخلاف وعرضها حتى لا يُتهم بالتقصير في ذلك. إلا أنه لم يرجح بين الرأيين لعدم تأكده ربما من الرأي الصحيح، وحتى لا يتحمل مسؤولية هذا الترجيح .
بعد ذلك يتحول إلى سرد حكاية هذا الرجل ، وتتخلل الحكاية أشعار (أرجاز) رويت عن الكسعي. وبعد خمس مرات من إطلاق السهام الخمسة ، واعتقاده بالفشل ، وقيامه بردة الفعل المتسرعة في لحظة غضب يكسر فيها قوسه ، اكتشف الحقيقة ولكن حين فات الأوان. وتنغلق الحكاية بالأبيات التي قالها الكسعي ندمًا على ما فعل. وأخيرًا يُذيِّل الكاتب الحكاية بقول الفرزدق الذي وظف هذا المثل في شعره حین طلق زوجته.
في المثل الثاني “الحديث ذو شجون ” يبدأ الكاتب بشرح المعاني اللغوية لكلمة ” شجون “، ثم يشير إلى المجال الذي يضرب فيه المثل ( في المثل الأول هناك إشارة ضمنية فقط ) ، بعدها يأتي بخبر – اعتراضي- حول نظم هذا المثل مع مثل آخر.
يورد الكاتب هنا حكاية أول من قال المثل، ونلاحظ أن هذه الحكاية تنتج مثلين آخرين إضافة إلى المثل المحور. ويستشهد في نهاية الحكاية – كما فعل في الحكاية الأولى – بأبيات للفرزدق حول قائل المثل .
المثل الثالث “دون ذا وينفق الحمار” ترد حكايته قصيرة يبدؤها الكاتب بقوله “زعم الشرقي وغيره”. والفعل “زعم ” يستعمل غالبًا فيما كان باطلاً أو فيه ارتياب كما يقول اللغويون، يعني ذلك أن الكاتب متشكك أو غير متأكد على الأقل من صحة الحكاية ، ويريد أن يلقي بمسؤولية صحتها على هؤلاء الرواة ( الشرقي وغيره).
ومما يضعف من واقعية الحكاية أيضًا أنها لم تعين اسمًا لمن دارت حوله الحكاية وإنما اكتفت بوصفه
(إنسان، مشوّر). وبعد أن يورد الحكاية يشرح معنى المثل ويذكر رواية أخرى له، وأخيرًا يبين المجال
الذي يضرب فيه .
هناك ملاحظات أخرى ينبغي أن نتنبه إليها ، ملاحظات حول ما يمكن أن تعكسه هذه الأمثال من
واقع جغرافي وحضاري معين ، فمن الناحية الجغرافية والبيئية نجد أن كثيرًا من مفردات الحقل المعجمي
للبيئة الصحراوية تنتشر في ثنايا الحكايات (الإبل، الرعي، الأودية، الأشجار، قوس، حمر
الوحش … ). أما من الناحية الحضارية فنجد أن السلاح يحظى بأهمية كبيرة عند الإنسان العربي القديم،
فهو أداة للصيد (كما عند الكسعي)، وهو أداة للقتال ( كما عند ضبة والحارث بن كعب). لذلك
فالمثلان – الأول والثاني – ارتبطا بواقع يعلي من قيمة السلاح وأهميته كأداة لقهر الموت، سواء بصيد
الوحش للطعام أم بقتل الأعداء .
إن ظاهرة اللصوصية وقطع الطرق والأخذ بالثأر التي تشير إليها الحكاية الثانية تُمثل سمة من سمات
الهمجية ، التي تنتشر في ظل تخلف الفكر الإنساني من الناحية الإنسانية والأخلاقية.
ويطرح المثل الثالث ظاهرة اجتماعية خطيرة سيطرت على الفكر العربي فترات طويلة ، ولا تزال،
وهي ظاهرة المبالغة في المدح، وهذا يحيلنا مباشرة إلى شعر المديح وثقافة المديح التي أخذت حيزًا كبيرًا
في الثقافة العربية .
ومن الملاحظات الأسلوبية المهمَّةَ تقابلنا سيطرة الفعل الماضي على النصوص الثلاثة ، وهي سيطرة
تتفق مع منطق الحكاية التي هي عبارة عن استرجاع للحدث الماضي الذي تحقق في الزمن الماضي (قال،
كان، أبصر ، جعل، قطعها، جففها، اتخذ، مكث، صنع، نفرت، وجّه، ردها، … ).
المفردات والتراكيب
الكلمات والتراكيب | جذرها المعجمي | معناها اللغوى أو السياقي |
نبْعة النُّكْس خَطَمها أَمْخَطَه الصَّوَّان احُباحِب العَذَل لمشوِّر | ن ب ع ن ك س خ ط م م خ ط ص ون ح ب ح ب ع ذل ش ور | جمعها نبع وهو شجر ينبت في الجبال تتخذ منه القسيّ والسهام السهم ينكسر المكان الذي يثبت الوتر منه فيجعل أعلاه أسفله خطم القوس بالوتر : علقها به أنفذه ضرب من الحجارة فيه صلابة يتطاير منه شرر عند قدحه بالزناد (م) صَوّانة اليراع وهو ذباب يطير بالليل يضيء ذنبه اللوم الذي يعرض السلعة مظهرًا محاسنها |
شاهد ايضا
درس قصيدة في وصف النيل لمادة اللغة العربية للصف العاشر الفصل الدراسي الثاني
شرح وملخص درس مقاطع من سيرة طفل عماني لمادة اللغة العربية للصف العاشر الفصل الدراسي الثاني
حل اسئلة قصيدة في وصف النيل لمادة اللغة العربية للصف العاشر الفصل الدراسي الثاني