
نص درس رسالة الى ابني لمادة اللغة العربية للصف التاسع الفصل الدراسي الثاني لمنهج سلطنة عمان
رسالة إلى ابني
بني:
إننا في هذه الأيام نستقبل مع شروق كل شمس تغييرًا جديدًا، لا في معارفنا عن الحياة من حولنا، ولا في المخترعات، والمكتشفات والتطبيقات العلمية التي نعيش في نعمائها، ولا في الحقائق التي نعرفها عن ذواتنا فحسب، ولكن بالإضافة إلى ذلك كله في المواقف الاجتماعية، والمفاهيم الإنسانية، والعلاقات البشرية، وهي أمور -لو علمت- بالغة الخطورة.
وإني لأحب لك أن تعلم أن سلاح الإنسان الأمثل هي قدرته على أن يعلم، وأن يكتشف، وأن يخترع، ومن هنا كانت الحقيقة البارزة الأساسية المهمّة التي تقول: إن العلم، والتعلم، والتعليم هي الأقانيم الأساسية للحياة الإنسانية المتطلعة دومًا إلى ما هو أحسن. ومن هنا كان سر قوة الإنسان الحديث، وتقدّمه السريع في قدرته على التعلم، وقدرته على التعليم، وقدرته على دفع العلم إلى الأمام.
أي بني:
لو سألتني عن أهم صفة من صفات هذا العصر الذي تعيش فيه، لقلت لك غير متردد: إنه عصر العمل، ولو سألتني عن أهم مكتشفاته لقلت لك: إنها قيمة العمل؛ قيمته في بناء حياة الفرد، وقيمته في بناء المجتمع، وقيمته في بناء الإنسانية.
والحق أن العمل هو الطريق الوحيد لتنمية الشخصية البشرية، وصقل الطبع الإنساني، وإبراز المواهب الفردية، وتمتّع الإنسان بالسعادة والرضا، فأوْلٍ عملَك المقبل جُلَّ تفكيرك، وجماع عزمك؛ فكّر في ما تحب أن تكون في هذا المجتمع، وحاول أن ترى طريقك إلى المهنة التي تحب أن تمتهن، وليكن اختيارك لعملك على أساس من قدراتك، وميولك، وقيمة هذا العمل لمجتمعك، ولست أرمي أن تختار مهنتك المقبلة منذ الآن، فأنا أعلم أن الوقت ما زال مبكرًا، وأن إمكاناتك في هذا العمر لمثل هذا الاختيار محدودة، ولكني قصدت أن أنبّهك إلى هذه المشكلة وأهميتها، وأن أفتح باصرتك على الأمر منذ هذه اللحظة.
ولا تنسَ أن عصرك الذي تعيش فيه هو عصر علم، وثقافة، وتخصص، وأن مجتمعك الذي ينتظرك، لم يعد ينظر بكثير من الرضا إلى أولئك الذين لا تقوم معرفتهم بعملهم على أساس من ثقافة عامة عميقة واسعة، وتخصص علمي دقيق. إذن فلا غنى لك في عملك، وإتقانك إياه عن التخصص الدقيق القائم على أساس واسع من ثقافة صحيحة، وأنه -لعمري- أمر شاق ولذیذ.
وهنا دعني أكشف لك سرًا خطيرًا طالما بحث الإنسان بعيدًا عنه، وهو في متناول يده، وأعني به سر السعادة. السعادة -أيها الحبيب- في القيام بالعمل الذي تحب على الوجه الأكمل، وبالجهد اللازم. حذارِ أن تظن أن السعادة تطرق باب الكسلان، أو تأتي عن طريق الأعمال السهلة، أو تنبع من الأعمال الرتيبة؛ فإذا أردت سعادة حقيقية وجَبَ عليك أن تجهد في القيام بعمل محبّب، وعلى وجه صحيح، وبذلك فقط تكون فنّانًا، وتكون سعيدًا، وتكون قبل هذا إنسانًا صالحًا، وخلوقًا.
وما كانت الأخلاق -ولا يمكن أن تكون- مجرد قواعد، وأوامر ونواهٍ، وإنما هي قبل كل شيء عقيدة، وإيمان، ونية، وموقف، ولا تفهم من كلامي أبدًا أن تستهين بالقواعد والأوامر والنواهي، ولكن افهم أن الأعمال بالنيات، وأن الخلق الحسن في سلامة النية، وحسن الطويّة، وطيب المعاملة.
لا تفعل في السر ما تستحي منه في العلن، وحاسب نفسك، وانظر في أعمالك، وأقوالك، دقّق في مواقفك، ودوافعك، فعندي أن ميزة الإنسان على كل ما عداه، وأن طريق اتصاله بالله -عز وجل- هي قدرته على محاسبة ذاته، واستطاعته أن يقول لذاته أخطأت، ومقدرته أن ينظر في أعماله، وأقواله فينقدها نقد المتجرّد، على أني لا أحب أن تقسو على نفسك، فتسرف في لومها، كما لا أحب لك أن تتراخى معها، فتخترع لها المبررات …
وبعد – أيها الولد الحبيب :
فإني أعلم أن حياتك ملكك، وأنك أنت الذي ستحياها، وبطريقتك، ولذلك فما أردت قط أن أفرض عليك مفاهيمي، وطريقة تفكيري، ونمط حياتي -معاذ الله- ولكني أعتقد أن من واجبي أن أضع خبرتي تحت تصرّفك، وأن أنفض بين يديك آرائي ونظراتي، فانظر فيها، وأعمل عقلك، وانتق لنفسك ما يناسب تفكيرك أنت، وطريقتك الخاصة في الحياة.
متّعك الله بالسعادة، وجنّبك مزالق الحياة، وعصمك من الزلل، وجعلك عضوًا نافعًا لمجتمعك لائقًا بإنسانيتك.
فاخر عاقل. الطفل العربي والمستقبل.
(بتصرف)
شاهد ايضا
حل اسئلة درس اليد لا تجيد وحدها التصفيق لمادة اللغة العربية للصف التاسع الفصل الدراسي الثاني