لغة عربيةالسادس

نص درس صور من قريتي لكتاب لغتي الجميلة لمادة اللغة العربية للصف السادس الفصل الدراسي الاول المنهج العماني

نقدم لكم نص درس صور من قريتي لكتاب لغتي الجميلة لمادة اللغة العربية للصف السادس الفصل الدراسي الاول المنهج العماني

كانت جدّتي في الصيف تصنع لنا دائمًا حار بارد، إذ تقف قبالة شجرة اللّومي قريبًا من حوافّها قبل أن تتوغّل تحت عرشها الأخضر فتغمرها بأوراقها الخضر. تجمع جدّتي اللّومي تحت العريش على بساط من سعف، وتبدأ بقصّ الليمونات الصفراء إلى نصفين، تعصرها في دورق، ثم تنهض ونحن نتابعها بأعيننا كعصافير صغيرة، وتتّجه صوب الجِحال المعلّقة من أعناقها بحبل من السعف؛ لتسكب منها ماءً باردًا في الدورق، ثم تكبش عدّة ملاعق من طاسة السكر وتمزجها به حتى ترضى عن مذاقه، حينها تسكب لنا في أكواب فضية اللون نشربها وننطلق إلى اللعب.

وعندما تقترب الشمس من المغيب وقت الأصيل، وبينما السماء تغيّر من لونها، تتقافز الديكة فوق البيوت والشجر، وترفع أصواتها مرحّبة بالغسق، وتسمع صراخ النساء في الضواحي ينادين أطفالهنّ بالإياب إلى البيوت: «أوه سعووود، أوه عبووود، أوه رشوود…» خوفًا من حشرات الظلام.

وكنا أطفالًا نتحلّق حول جذع نخلة أو تحت شجرة الأمبا. كان الليل أشبه بقطّ أسود يزحف على رجليه، ويقفز فوق الجدران ويخرمش بسواده الأمكنة ويغطّيها بالظلمات، وينطلق صوت المؤذّن يشقّ أجواء المغيب، فيدلهمّ السكون، وتسمع تسابيح العجائز.

يلقي القمر بضيائه على أغصان الفرصاد والرمان والسفرجل والأمبا والتين والنخيل، وزهر الِبلّ يتناثر من شجر الليمون ويتساقط في السواقي والدروب. البيدار يطلق صداحه الليليّ وهو يجتاز الضواحي حاملًا في يديه مسحاته، ورجلاه تغرقهما السواقي، منتعلًا حذاءً يصل حتى ركبتيه خوفًا من عقرب أو حنش.

مسجد القرن الذي يعلو فيه صوت الأذان ويتردد فيه ذكر الله، بالقرب منه فاصل الشرجة، وعلى حافته تقبع شجرة كبيرة من شجر البيذام، بجانبها سبلة مبنية بالتبن والطين. كانت فيما مضى مكانًا يجتمع فيه الأهالي للتشاور فيما بينهم؛ حيث يقوم أحدهم بالنفخ في بوق يسمّونه البرغام، وما إن يسمع الناس ذلك الصوت حتى يأتوا فرادى وجماعات، ويتحلّقوا لإيجاد الحلول لأي معضلة قد تواجه القرية وأهلها في نقاش وحوار يحترم الرأي في هدوء رزين، ويصوغون فيما بينهم المصالح التي تفيد القرية ويتقيّد بها الجميع.

يوم كنا صغارًا، كنّا نأتي إلى هذه البيذامة بصراخ مسموع وزوبعة من الفوضى، يتردّد صداها من مسافات بعيدة، نهرَعُ إليها حالمين بشيء من ثمارها الحمراء. وكان خميس ما إن يسمع تلك الضوضاء من بعيد حتى يستعدّ لحماية شجرته من كسر قد يصيب وريقاتها أو أغصانها الخضر. وكان يردّد على مسامعنا: «ما يسقط على الأرض فهو لعابري السبيل كما يقولون، وحقّ لكم ولغيركم، احملوا منه ما شئتم واذهبوا في حال سبيلكم، لكن لا تقتربوا منها ولا تحاولوا الصعود إليها».

كانت البيذامة ذات أفرع وارفة الأوراق مثقلة بعناقيد الثمار، ينسدل كثير من أغصانها بطراوة على سبلة الطين كطاووس يفرد جناحيه في زهو.

اليوم، وفي بعض مساءاتي، وعند مروري بهذا المكان، أبتسم وأتذكّر خميسًا وعصاه التي كان يحرس بها البيذامة، فتنحدر دمعة من حنين مدفون في ثنايا الذاكرة.

الرابط المختصر للمقال: https://oman22.com/?p=20596

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى