
نص درس مقاطع من سيرة طفل عماني لمادة اللغة العربية للصف العاشر الفصل الدراسي الثاني لمنهج سلطنة عمان
مقدمة :
ينتمي هذا النص إلى مجال السيرة الذاتية ، يسترجع فيه الكاتب بعض ذكرياته التي عاشها في قريته ( سرور) وهو من خلال ذلك يصور الواقع لا ليكتفي بوصفه بل ليحاول من خلاله البحث عن احتمالات التغيير الثقافي والاجتماعي التي يمكن أن تتحقق في المستقبل .
النص
تتقاطر الأيام، والزمن يتكوّر مثل بطن الحوامل وهُنَّ ذاهبات لجلب الماء من وَقْب الأفلاج ومفاصلها عبر الطرق المتربة ، أو يسيل سَيَلاناً لزجاً مع هبة الريح الشمالية على سُمار المجالس وهم يقرأون كتب الدين وقصص البطولات وأسفار الملاحم مُنَكّسين رؤوسهم خضوعاً وإعجاباً لأولئك الغابرين الذين ما زالوا غذاء للقلب ووقوداً للذاكرة، مرجع الحكمة وعقال العواطف من زَوَغانها على أيدي الأفكار الجديدة التي بدأت تهب رياحها على أهل القرية بالسماع عنها والتي غالباً ما يكون مصدرها تلاميذ البنْدَرِ أو أولئك القادمين من خارج البلاد.
كانت قراءة تلك الأشعار تتخذ صيغة التهدّج والنغم العالي متناوبة بين العارفين وأشباههم وأحياناً تُتاح الفرصة لبعض الصِبية الذين بدأوا في معرفة القراءة والكتابة عبر كتاتيب القرية التي تقام من سعف النخيل أو في صروح المساجد.
وكان ذلك مصدر فخرِ للآباء حين يرون أبناءهم يتصدرون المجالس بالقراءة والنشيد. لكن أيضاً لهذه المسألة مخاطرها ، التلعثم والعثرات ستقود إلى ندم مرير من قبل الأب الذي ينعكس على ابنه بالإحباط وإلى حديث لن ينساه الحاضرون إلا بقراءة أخرى سليمة وخالية من الهفوات .
وهذا لن يتم إلا بِعَنَتِ الوالد على الصبي وإجباره على تمارين القراءة في خلوة البيت . كان والد سعد يمتلك مكتبة وضع كتبها في رفوف طينيّة متراصّة في المجلس الداخلي للبيت، ضم فيها أسفارًا مختلفةً وكان القليل منها قد ورثه من أسلافه، وهي مخطوطات كما أشار ذات مرة، وكانت تتوزّع بين الفقه وأصول الدين والتاريخ والشعر.
كان شديد الاعتداد والعناية بها حتى حين كان يسافر أحيانًا إلى البندر أو إلى الحج ليعود ويجد العنكبوت وقد نسج بيوته الشبكيّة على الرفوف والجدران التي تتسلقها أيضًا زواحف أخرى، يصرخ في وجه الجميع ويتهمهم بالرداءة والجهل ولا يهدئ جيشان غضبه إلا بالإسراع في كنسها وتنظيفها. ثم يأمر سعدًا بأن يأتي بكتاب “تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان ” للشيخ نور الدين السالمي ويبدأ في القراءة.
وكان حين يأتي المساء وليس ثمة ضيوف في البيت غالبًا ما يأمر سعدًا بقراءة قصيدة الفتاة المسحورة أو “فتاة نزوى “تلك التي وقعت أحداثها إبان حكم الإمام سيف بن سلطان قيد الأرض، وتسرد عبر الوزن والقافية قصة فتاة أكلها السحرة وغابت عن الوجود باعتبارها ميتة لكنها تعود إلى الحياة في جو مشبع ببخور الخرافة وكآبتها الشفيفة مما يجعل مستمعيها من النساء يَذْرِفْنَ الدمع حيث إن الرجال من العيب أن يبكوا حتى ولو صفعتهم نوبة أحداث تستلزم البكاء عليهم أن يدفعوه إلى الداخل كي لا يراهم الآخرون من أهل القرية أو الأغراب.
ظل سعد مواظباً على الذهاب إلى مدرسة الكتاتيب حتى بعد أن تعلم القراءة والكتابة ولم تعد مصدر
معرفة إضافية. لكن بقيت هناك بالنسبة له جاذبية الشجار مع تلاميذ المدرسة، يحصل ذلك أحيانًا في
المدرسة نفسها حين ينام المعلم ذو اللحية الطويلة المجدولة بينما هو يتلو سورةً أو يشرح متنًا ، نراه،
وبهدوء تدريجي يغمض عينيه ويأخذ في الشخير.
وفي اليوم الذي لا يسقط المعلم في سباته المألوف ويبقى يقظًا تُبْرَمُ مواعيد العراك خارج المدرسة في
أماكن تتفق عليها الأطراف ذات العلاقة في المنازلة : كأن يقولوا: ليكن الموعد أمام الفلج الفلاني أو أمام
ضاحية فلان أو في التلة العلوية .. وهكذا تأخذ الأمور مجراها بين الأطراف المتصارعة في المدرسة أما ما
عدا ذلك فقد كانت رغبة الاطلاع تعتمد على مكتبة والده التي يَنْسَلُّ إليها سعد ، خاصة في غيابه حيث
القراءة حرة ومن غير قسر.
وفي اليوم الذي ختم فيه سعد القرآن مشى تلاميذ المدرسة صَفًا مستقيمًا يتقدمه المعلم وقارئ النشيد
المعروف باسم “التويمينة” إلى بيت العائلة. وفي ذلك اليوم رفست الأكباش المسمنة التي نذرتها الأم لهذا
اليوم حتى جف الدم من أوردتها، ولمع الفرح من نوافذ المنزل حتى اختلط بأصوات طيور شجرة
الفرصاد . وبهذه المناسبة قالت أم سعد إنها ستزوجه ابنة خاله حين يبلغ عامه التاسع.
بعد صلاة المغرب كان القمر هلالاً يوشك على الغياب حين أخذه والده إلى مجلس الوادي ليقرأ على
الحضور المصلِّي سيرة حرب البسوس ووقائعها وأحداثها .
((منازل الخطوة الأولى)) سيف الرحبي، ص٢٩.
التعريف بالشاعر:
شاعر وكاتب من عُمان ولد في قرية سرور بسمائل بالمنطقة الداخلية . درس في القاهرة وتنقل في أكثر من بلد عربي
وأوربي ، عمل في المجالات الصحافية والثقافية العربية ، ويعمل حاليا رئيسا لتحرير مجلة “نزوى”. ترجمت مختارات من
أعماله الأدبية إلى العديد من اللغات العالمية كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية والبولندية وغيرها. من أعماله
الشعرية: نورسة الجنون ، الجبل الأخضر، أجراس القطيعة ، رجل من الربع الخالي …. من أعماله النثرية : حوار الأمكنة
والوجوه، أرق الصحراء، ومنازل الخطوة الأولى الذي أُخذ منه هذا النص .
ا: إضاءة نقدية
يتشكل بناء النص من ثلاثة محاور كلية تتعاضد فيما بينها لتشغل مساحة النص ، نقلها الكاتب إلينا من ذاكرته السحيقة ، قهرًا للزمن ، ومقاومةً للنسيان وهي :
١- خضوع أهل القریة لتراثهم ، وإعجابهم به :
في المحور الأول يصور الكاتب الصراع غير المتكافئ، الدائر في قريته بين النظم والأفكار القديمة المتمثلة في (أشكال من الخرافة والجهل … ) وبين (الأفكار) الجديدة المتسللة إلى القرية عن طريق السماع.
إن هذا الصراع يمثل جبهتين غير متكافئتين، ففي الجبهة الأولى تبدو النظم القديمة المسيطرة “غذاء للقلب، ووقودًا للذاكرة، ومرجع الحكمة وعقال العواطف”. في الجبهة المقابلة تبدو فاعلية القيم الجديدة في التغيير شبه منعدمة ، نتيجة حضور تلك النظم القديمة في كل تفاصيل الحياة اليومية لأهل القرية .
٢- علاقة سعد بمكتبة والده :
كانت المكتبة التي يمتلكها والد سعد لها دور في بداية تكوينه الثقافي، غير أن “الجو المشبع ببخور الخرافة … ” كان يُرَوِّجُ للكثير من القصص والحوادث الأسطورية التي تحاول أن تبني مشروعيتها متوسلة بالواقع التاريخي (قصة الفتاة المسحورة التي وقعت أحداثها إبان حكم الإمام سيف بن سلطان)، بحيث تصعب أي محاولة للتغيير على المدى القريب .
٣- ذهاب سعد إلى مدرسة الکتاتیب :
أما مدرسة الكتاتيب فكان سعد يواظب على الذهاب إليها لمجرد التسلية ، فهي “لم تعد مصدر معرفة
إضافية ” بالنسبة إليه. وكان الشجار مع تلاميذ المدرسة هو الدافع الوحيد لذهاب سعد إلى الكتاتيب.
ينقل الكاتب بعض العادات السائدة في قريته من خلال تصوير الطقوس التي ترافق ختم القرآن وما
يصاحبها من فرح بهذا اليوم السعيد الذي يسعى التلاميذ لنيل شرفه …
يعد النص استرجاعا لذكريات عاشها الكاتب ، لذلك فإن الأساليب الخبرية تستحوذ على النص، إذ
كان هَمُّ الكاتب هو الوقوف على بعض الأفكار والعادات السائدة في قريته .
هناك اهتمام بوصف المكان (وصف المكتبة مثلاً) وما يحمله من أبعاد دلالية ، غير أن هذا المكان،
بما يعيشه أهله من جهل ومعاناة وبؤس، انعكس على لغة النص، وأضفى عليها أبعادًا تتسم بالحزن
والشقاء ( المغرب ، هلالا ، الغياب ، حرب البسوس).
وللمكان حضور قوي في ذاكرة الكاتب ، يتجلى ذلك من خلال اختياره لاسم (سعد) الذي يحيل
إلى اسم القرية التي نشأ فيها (سرور) وتتضمن أحداث هذه السيرة.
يشكل الزمن عنصرًا مهمًّا من عناصر بناء النص ، حيث نجده يفتتح الزمن الذي يحيل إلى الواقع
(تتقاطر الأيام، والزمن يتكور … ) وينغلق بالزمن الذي يحيل إلى المستقبل المجهول (المغرب)، وبذلك
فإن زمن الواقع (واقع القرية) يعكس واقعًا راكدًا، مشلولاً. أما زمن (المغرب المستقبل) الذي يتوقف
عنده السرد فإنه يتسم بالضبابية والغموض .
شاهد ايضا
نص درس الصحافة العمانية المهاجرة لمادة اللغة العربية للصف العاشر الفصل الدراسي الثاني المنهج العماني
حل دروس مادة اللغة العربية للصف التاسع الفصل الدراسي الثاني لمنهج سلطنة عمان