موسوعة عمان

ولاية ينقل بمحافظة الظاهرة

ولاية ينقل بمحافظة الظاهرة

ولاية ينقل: لؤلؤة محافظة الظاهرة ومفترق طرق التاريخ والطبيعة

في قلب سلطنة عمان، وتحديدًا في الجهة الشرقية من محافظة الظاهرة، تتربع ولاية ينقل شامخة بتاريخها العريق وطبيعتها الآسرة، مجسدةً نموذجًا فريدًا لمزيج من الأصالة العمانية وجمال البيئة الجبلية والريفية. هي ليست فقط إحدى ولايات السلطنة، بل تمثل محطة حضارية بين منطقتي الظاهرة والباطنة، وهو ما يبرر تسميتها بـ “ينقل” نسبة إلى كونها منطقة انتقال عبّرت من خلالها القوافل والمسافرون في مختلف العصور.

موقع استراتيجي يربط بين الحاضر والماضي

تقع ولاية ينقل بين عدد من الولايات المهمة: تحدها من الجنوب والشرق ولاية عبري، ومن الغرب ولايتا ضنك والبريمي، ومن الشمال ولاية صحار التابعة لمنطقة الباطنة. هذا الموقع جعل منها نقطة تواصل تجاري وحضاري منذ أزمان سحيقة، ومعبراً هامًا للقوافل في التاريخ العماني القديم.

طبيعة ساحرة تأسر القلوب

تتميّز ولاية ينقل بطبيعتها الجبلية الخلابة، حيث تنتشر القرى على امتداد الوديان والهضاب، وتحيط بها قمم شاهقة، أبرزها جبل الحوراء الذي يُعد الأعلى في الولاية واتُّخذ رمزًا لها، لجماله وتفرده. من قمم الجبال إلى بطون الأودية، تنكشف أمام الزائر لوحات بديعة من الطبيعة الخضراء، خصوصًا في قرى مثل بيحاء والوقبة ووادي الحريم، التي تدهش الزائر بجوها البارد ومنتجاتها الزراعية الفريدة مثل الرمان والزيتون والفلفل الأسود، وكلها تنمو وسط بيئة نقية تتخللها جداول الماء وأفلاج عذبة.

إرث تاريخي مهيب

تحمل ولاية ينقل بين طياتها آثارًا شاهدة على عصور مضت، يتجلى ذلك في حصن بيت المراح، والذي كان مركز الحكم في الولاية في الزمن الماضي، ولا يزال قائمًا حتى يومنا هذا. يتوسط هذا الحصن القديم مركز الولاية ويشكّل تحفة معمارية ودفاعية تجسّد فنون البناء التقليدي العماني.

بالقرب من الحصن، كان سوق ينقل القديم ينبض بالحياة، حيث كان ملتقى للتجار والمزارعين من مختلف القرى، وكان يُعَدّ مركزًا اقتصاديًا واجتماعيًا نابضًا، رغم اندثاره في العقود الأخيرة.

من بين المعالم البارزة أيضًا، جبل الخطيم الذي يحتوي على آثار لمبانٍ قديمة على ارتفاع 600 متر، إضافة إلى حصون أخرى في مناطق مثل “حديقة”، فضلاً عن الأبراج الدفاعية المنتشرة في العديد من القرى، والتي يُقدّر عددها بـ16 برجًا وحصنًا، تعود أغلبها إلى قرون مضت.

نشاط تعدين قديم

من اللافت في ولاية ينقل وجود آثار لمناجم تعدين قديمة، وخصوصًا في منطقتي الراكي والمعيدن، حيث تنتشر الصخور المصهورة وبقايا الأفران، مما يدل على نشاط صناعي كبير يعود إلى فترات قديمة، ربما كانت تُمثل مصدرًا هامًا للثروات المعدنية في عُمان القديمة.

الموارد المائية: عراقة الأفلاج

تضم الولاية عددًا من الأفلاج التي لا تزال تنبض بالحياة وتروي الأراضي الزراعية، ومن أبرزها: فلج بيحاء، فلج العلو، فلج البلاد، فلج العين، فلج السديريين، فلج المحيدث، فلج الخابورة، فلج حيل النجد، وفلج العاقول. هذه الأفلاج تمثل النظام التقليدي العماني المتميز في إدارة المياه، وتُعد أحد أبرز مقومات الاستقرار الزراعي والحياتي في الولاية.

قرى تحتفظ بعبق التاريخ

تحتوي ينقل على 73 قرية وبلدة، لكل منها طابعها الفريد. من أهم هذه القرى: الصفري، الشجاء، الصوادر، المدام، الجناه، العلو، الزرارات، العقدة، الشوعية، الجغنة، بيحاء، الوقبة، وادي المعيدن، حيل المناذرة، وفلج السديريين، وغيرها الكثير. وتُعد قرية المنجورين من القرى الفريدة في الولاية، حيث تعرف بنشاطاتها الثقافية والاجتماعية المتنوعة، وتتميز بطبيعتها الخلابة، مما يجعلها مقصدًا سياحيًا للباحثين عن جمال الريف العماني الأصيل.

حرف وصناعات تقليدية متجذرة

ما زال سكان ينقل يحتفظون بحرفهم وصناعاتهم التقليدية التي تمثل جزءًا من هويتهم الثقافية، مثل تربية الماشية، الزراعة، وصناعة السكر التقليدي. وتُعد منتجات الولاية الزراعية من أغنى المنتجات، حيث تُزرع التمور بأنواعها، والحنطة، وقصب السكر، والحمضيات، والفاكهة.

وفي مجال الصناعات، يبرع الأهالي في صناعة النسيج، السعفيات، صياغة الذهب والفضة، والفخار، وصناعة الحلويات العمانية التقليدية. كما يحتفظ الحرفيون بصناعة “الخروج المركشة” وهي من أدوات تزيين الإبل، وغيرها من الحرف التي لا تزال تُمَارس في مناسبات الأعراس والمهرجانات.

الحضور الثقافي والفني

مثلها مثل بقية ولايات عُمان، تنبض ولاية ينقل بالحياة الثقافية والفنية، حيث تُمارس فيها الفنون التقليدية كـ العيالة، الرزحة، التغرود، والعازي، وهي فنون تنبع من قلب المجتمع العماني وتعكس الروح الجماعية والتقاليد العريقة.

ينقل… أصالة تعانق الحداثة

رغم حفاظها على أصالتها وتراثها، فقد شهدت ولاية ينقل العديد من مظاهر التطور والنمو في ظل النهضة الحديثة التي تعيشها سلطنة عمان. وقد نالت نصيبها من مشاريع التعليم والصحة والبنية التحتية، حيث تنتشر المدارس في مختلف القرى، إلى جانب وجود مراكز صحية وأفلاج معاد تأهيلها، وشبكات مياه وكهرباء وطرق تسهّل تنقل السكان والزوار.

خاتمة

ولاية ينقل ليست مجرد مساحة جغرافية في محافظة الظاهرة، بل هي سجلٌّ مفتوح لحضارة ضاربة في أعماق التاريخ، وتاريخٌ حيّ يرويه كل حجر وحصن ونخلة وساقية ماء. هي قصة وطن يتجدد بهاؤه كل يوم، ووجهة تستحق الزيارة لكل من يرغب في اكتشاف عبق الماضي وجمال الحاضر في قلب عمان.

الرابط المختصر للمقال: https://oman22.com/?p=16939

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى